أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 15 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 21 يونيو 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم.

 

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم ، بصيغة word أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) ذمُّ الإسلامِ للتقليدِ وحثّهُ على التفكيرِ.

(2) ترغيبُ الإسلامِ في البحثِ العلمِي، وتحملِ المشاقِّ في سبيلِ طلبِهِ.

(3) نماذجُ وأمثلةٌ مِن تاريخِ المسلمينَ في البحثِ العلمِي.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو 2024 م بعنوان : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

«البحثُ العلمِيُّ ودورُهُ في تقدمِ الأممِ»

بتاريخ  ذو الحجة 1445 هـ = الموافق 21 يونيو 2024 م

 

الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىُء مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم 

(1) ذمُّ الإسلامِ للتقليدِ وحثّهُ على التفكيرِ:

إنَّ العقلَ مِن أعظمِ المننِ، وأجلِّ النعمِ التي فُضّلَ بها الإنسانُ على سائرِ المخلوقاتِ، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾ ، ولذَا لو سُلبَ منهُ سقطتْ عنهُ الفرائضُ والأحكامُ مصداقاً لقولِ سيدِ الأنامِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» (أبو داود) .

والمتأملُ في القرآنِ يجِدُ أنَّ لفظَ: «العَقْلِ» لمْ يأتْ جامِداً، بل جاءَ مشتقًا؛ للدَّلالةِ على أنَّ المطلوبَ هو قيامُهُ بوظائفِهِ مِن النظرِ والتفكرِ والبحثِ، فوردَ بالصيغةِ الفعليةِ في تِسْعٍ وأربعينَ آيةً، ولذَا ذَمَّ اللهُ التقليدَ، ورفضَ التبعيةَ المبنيةَ على الظنونِ والخرفاتِ، ودعَا إلى البحثِ والنقدِ، فقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ﴾، وقَالَ: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾، كمَا حذَّرنَا رسولُنَا مِن التَّقليدِ الأعمَى، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا» (الترمذي وحسنه)، فهو لمْ يرتضِ للمسلمينَ أنْ يكونُوا مُقلِّدينَ يسيرونَ وراءَ كلِّ ناعقٍ، بل عليهم أنْ يُحكِّمُوا عقولَهُم حتى يكونَ لهُم فضلٌ في حركةِ الحياةِ، حيثُ ذهبتْ بعضُ الدراساتِ إلى أنَّ العقلَ البشريَّ لم يُستثمرْ منهُ حتى الآن إلَّا نحو15% ، مِمَّا يدفعُ العاقلَ الفطنَ لكشفِ كلِّ ما هو جديدٌ في شتَّى المجالاتِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم 

(2) ترغيبُ الإسلامِ في البحثِ العلمِي، وتحملِ المشاقِّ في سبيلِ طلبِهِ:

الإسلامُ دعَا للعلمِ منذُ لحظاتِهِ الأولَى؟! فأولُ كلمةٍ تنزلتْ على قلبِ سيدِنَا مُحمدٍ تأمرُهُ بتلمسِ العلمِ ﴿اقرأْ﴾، قال َسبحانَهُ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، وهي تدلُّنَا على الطَّريقِ السليمِ، والصِّراطِ المستقيمِ، والمُتمثِّل في مدَى اهتمامِ الإسلامِ بالعِلم، وأهَمِّيةِ البحثِ العلمِيِّ وقيمتِهِ بالنِّسبةِ للفردِ والأُسرةِ والمُجتمعِ، تلكَ الآيةُ الأولَى ﴿اقرأْ﴾: تعلمْ وخذْ، لكنْ باسمِ ربِّكَ لا باسمِ الهوَى، لا باسمِ النزعةِ الإنسانيةِ الطاغيةِ، لا باسمِ الشهوةِ التي فيهَا نوعٌ مِن العدوانِ البشرِي باستخدامِ القوةِ والتسلطِ على البشرِ، هذه مزيةُ الإسلامِ على غيرِهِ مِن الحضاراتِ الماديةِ، ولذا لم يأمرْ اللهُ رسولَهُ بالتزودِ مِن شيءٍ إلّا مِن العلمِ، فقالَ لهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾.

إنَّ الإسلامَ حينمَا رغّبَ في البحثِ العلميِّ والتنقيبِ والمعرفةِ لم يخصْ علماً دونَ آخرٍ بل اعتبَرَ العلومَ النافعةَ هي تلك التي تُحقِّقُ مصلحةً دينيَّةً، أو توصلُ إلى منفعةٍ دنيويَّةٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» (ابن ماجه)، وقد دعَا أيضاً إلى تمجيدِ العقلِ، وتحصيلِ العلمِ، حتَّى إنَّه قرنَ شهادةَ العلماءِ بشهادةِ الملائكةِ، وجعلَ أهلَ العلمِ شهداءَ على وحدانيتِهِ وألوهيتِهِ؛ وذلك لعظمِ قدرهِم فقالَ سبحانَهُ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، بل إنَّ الرسالةَ الخالدةَ والمبادئَ الأصيلةَ، والأهدافَ الجليلةَ لا يعقلُهَا إلّا مَن يفهمُ عن اللهِ أمرَهُ ونهيَهُ، ولذا وصفَ اللهُ طالبَ العلمِ بأنَّهُ يملكُ مِن أدواتِ الفهمِ والفقهِ والاستنباطِ شيئاً كبيراً فقالَ: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾، وليحذرْ العبدُ أنْ يكونَ العلمُ حُجّةً عليهِ لا لهُ فمِن الناسِ مَن طلبَهُ فكان عليهِ خيبةً وندامةً، كما قالَ اللهُ في علماءَ بني إسرائيل: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾، وقالَ واصفاً أحدَ علمائِهِم أيضاً: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ .

لقد قصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ خبرَ موسَى– عليهِ السلامُ-، وأخبرَ أنّهُ ركبَ البحرَ في طلبِ العلمِ، وتحمّلَ المشاقَّ في سبيلِ ذلكَ، وبوَّبَ البخاريُّ في كتابِ العلمِ: (بابُ ركوبِ البحرِ في طلبِ العلمِ)، و”بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ ” قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ:﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾، قَالَ:﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ” (البخاري)، فلامَ اللهُ موسَى وعاتبَهُ على أنّهُ ما ردَّ العلمَ إلى اللهِ، وأرشدَهُ إلى الخضرِ وأخبرَهُ أنَّهُ أعلمُ منه، فسافرَ إليهِ وطلبَ منهُ أنْ يعلمَهُ “وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ” (مسلم)، لكنْ لمَّا تعجلَ أمرَهُ حُرِمَ مِن مطالعةِ الأسرارِ اللدنيةِ قَالَ :«يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا» (مسلم)،

تابع/ خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم 

وهنا ندركُ موطنَ العبرةِ وهو أنَّ الإنسانَ لا ينبغِي عليهِ ألّا يكفَّ عن البحثِ العلمِي والشغفِ بهِ، فمهمَا وصلَ إليهِ مِن علومٍ فأمامُهُ الكثيرُ والكثيرّ، ويجبُ ألًّا يُصابَ بالغرورِ وإلّا كانَ مصيرُهُ الهلاكَ والدمارَ ﴿ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾.

وفي قصةِ موسَى – عليهِ السلامُ- نلمحُ أيضاً حسنَ الأدبِ، وجميلَ التواضعِ الذي يجبُ أنْ يتحلَّى بهِ التلميذُ مع أستاذِهِ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾،  يا ليتَنَا نتأدبُ ونوقرُ مَن يعلمُنَا، وأنْ نسلكَ أسلوباً لطيفاً؛ لأنَّ الإنسانَ يخاطبُ مَن هو أعلمُ منهُ، ولهُ في نبيِّ اللهِ موسى عليهِ السلامُ أسوةٌ وقدوةٌ، وهو نبيٌ قد آتاهُ اللهُ الوحيَ والمعجزةَ، أمَّا سوءُ الاحترامِ فإنّهَا الآفةُ التي يُعانِي منهَا البعضُ فلا يعرفونَ لعلمائِهِم حقَّهُم ولا يوقرونَهُم، بدعوىَ “نحنُ رجالٌ وهم رجالٌ” .

كما سافرَ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصارِي شهراً كاملاً في طلبِ حديثٍ واحدٍ مِن المدينةِ إلى الصحابِي عبدِ اللهِ بنِ أنيسٍ في مصرَ في العريشِ، فخرجَ عبدُ اللهِ بنُ أنيسٍ ورأَى صاحبَهُ فعانقَهُ، “قلتُ: حديثٌ بلغنِي لم أسمعْهُ، خشيتُ أنْ أموتَ أو تموت”، فأخذَ الحديثَ وهو واقفٌ، ثم ركبَ ناقتَهُ وانصرفَ . (الأدب المفرد) .

انظرْ كيف كان صبرُهُم على البحثِ، والمثابرةُ على طلبِ العلمِ رغمَ أنّهُ لم يكنْ عندَهُم ما عندنَا مِن الوسائلِ الحديثةِ لكن سهّلَ اللهُ لهُم ذلك، وطوَى لهُم الطرقَ، وذلّلَ لهُم الصعابَ، قال رَسُولَ اللَّهِ : «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (أبو داود)، فكتبَ اللهُ لهُم القبولَ وخُلّدَتْ ذكراهُم في ذاكرةِ التاريخِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (مسلم) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 21 يونيو : البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم 

(3) نماذجُ وأمثلةٌ مِن تاريخِ المسلمينَ في البحثِ العلمِي:

مَن يستقرىءْ تاريخَ المسلمينَ الأوائل يجدْ أنَّهُم تركُوا ثروةً علميةً ضخمةً خدمتْ العالمَ الإنسانِيَّ أجمع،  وقد اهتمَّ المسلمونَ الأوائلُ بالبحثِ العلمِي تحقيقاً لتوجيهاتِ اللهِ عزّ وجلّ للمؤمنينَ في التفكيرِ والتدبرِ في آياتِهِ المختلفةِ، نحنُ أمةُ العلمِ والحضارةِ الماديةِ المدنيةِ، ونحن أمةُ العلمِ والتزكيةِ النفسيةِ القلبيةِ، نحن الأمةُ الذين أخذتْ عنها الحضاراتُ المعاصرةُ علومَ المادةِ والتجربةِ، ففي علمِ الكيمياء، يُعتبرُ “جابرُ بنُ حيان” مؤسِّسَ هذا العلم، وظلَّتْ أبحاثُه هي المرجِعُ الأوَّلُ في أوروبا حتَّى القرنِ الثامنِ عشَر، وفي الطِّبِ كان كتابُ “الحاوِي” للطَّبَري، وهو مِن عشرين مجلَّدًا، وكذلك كتابُ “القانونِ” لـ”ابنِ سِينَا”، و”الموجزِ في الطبِ”، لـ”ابنِ النَّفيسِ”، تُعدُّ مِن أهمِّ المراجعِ العلميَّةِ الأساسيةِ.

وفي علمِ البصريَّاتِ كان “ابنُ الهيثمِ” في المقدِّمةِ عن طريقِ تطبيقِ هندسيَّةٍ معقَّدةٍ، بالإضافةِ إلى القياساتِ المَضْبوطةِ في علمِ البحثِ البصرِي.

كذلك يَرجعُ الفضلُ للمسلمينَ في الطُّرقِ الحسابيَّةِ المستعمَلةِ في الحياةِ اليوميَّةِ، وهم الذينَ جعَلوا مِن الجَبْرِ عِلمًا حقيقيًّا، وتقدَّمُوا بهِ تقدُّمًا كبيرًا، والخوارزمِيُّ هو مؤسِّسُ علمِ الجبرِ، وكتابُهُ الشهيرُ “الجَبْرُ والمُقابَلةُ”، فيه طُرقُ حلِّ المَسائلِ بالوسائلِ المختلِفةِ، كما أسَّسَ علماءُ العربِ الهندسةَ التحليليَّةَ، وحسابَ المُثلَّثاتِ الذي لَم يكنْ معروفًا عندَ اليونان.

وفي علمِ طبقاتِ الأرضِ يُعتبرُ ما كتبَهُ الرَّئيسُ “ابنُ سينَا” في كيفيَّةِ تكوينِ الجِبالِ والأحجارِ، والمَوادِ المعدنيَّةِ مِن أهمِّ المراجعِ التي اعتمَدَتْ عليهَا أوروبَا إبَّانَ نهضتِهَا العلميَّةِ.

وفي علمِ الاجتماعِ يعتبرُ “ابنُ خَلْدون” أوَّلَ مفكِّرٍ اجتماعِيٍّ استخدَمَ المنهجَ العلمِيَّ، فهو أوَّلُ مَن صاغَ قوانينَ تقدُّمِ الأممِ وانهيارِهَا.

وقد شهدَ بأثرِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ على الأوروبيَّةِ كثيرٌ منهم، يقولُ “سارتيون”: (إنَّ ما أتتْ بهِ الحضارةُ الإسلاميَّةُ في بابِ العلمِ ولا سيَّمَا العلومُ وتطبيقهَا أعظمُ بكثيرٍ مِمَّا أتتْ بهِ في ذلك السَّبيلِ مملكةُ بيزنطة).

ويقول “زيغريد هرنكه”: (إنَّ العربَ قدَّمُوا لأوروبَا أثمنَ هديَّة، وهي طريقةُ البحثِ العلميِّ الصحيحِ التي مهَّدَتْ أمامَ الغربِ أسلوبَ كشفِ أسرارِ الطَّبيعةِ، وسيطرتِهِ عليهَا في الحاضرِ) أ.ه.

لقد كان العلمُ في حياةِ الأوائلِ مِن سلفِنَا الصالحِ يمثلُ اللبنةَ الأساسَ في حياتِهِم، فقد كانوا يحثون أبناءَهُم منذُ نعومةِ أظفارِهِم على طلبِ العلمِ ويجلسونَهُم منذُ الصغرِ في حلقاتِ العلمِ، والتي كانت لا يخلُو منها مسجدٌ أو قريةٌ، وكانوا يتركونَ لذةَ النومِ ويهجرونَ المضاجعَ في وقتٍ يهجعُ فيهِ الناسُ، قالوا لـ ابنِ عباسٍ: كيف حصلتَ العلمَ؟ قال: “كنتُ أخرجُ في الظهيرةِ في شدةِ الحرِّ، فأذهبُ إلى بيوتِ الأنصارِ، فأجدُ الأنصارِيَّ

 نائماً، فلا أطرقُ عليهِ بيتَهُ، فأتوسدُ بُرْدِي عندَ بابِ بيتِهِ، فتلفحنِي الريحُ بالترابِ، فيستيقظُ الأنصارِيُّ، ويقولُ: يا بنَ عمِّ رسولِ اللهِ ألَا أيقظتنِي أُدْخِلكَ؟ فأقولُ: أخافُ أنْ أزعجَكَ” أ.ه.

أخِي الحبيب: إنَّ البحثَ العلميَّ «مفتاحُ» كلِّ تقدمٍ ونهضةٍ، ومِن دونِهِ لن تتقدمَ الأمةُ الإسلاميةُ، وستظلُّ تعيشُ في وضعِهَا المؤسفِ الراهنِ، وربُّنَا – عزَّ وجلَّ- حينمَا سخّرَ الطبيعةَ للإنسانِ، فقد سخّرَهَا لهُ بالعلمِ والبحثِ العلمِي مع العملِ والجهدِ، ولم يكنْ هذا الأمرُ على سبيلِ الصدفةِ أو الحظِّ أو غيرِ ذلك، ولذا يجبُ أنْ يُوظفَ البحثُ العلميُّ لمصلحةِ الشعوبِ والمجتمعاتِ، وتحقيقِ تنميتِهِ ورقيِّهِ، وحلِّ مشكلاتِهِ، والتعاملِ مع أزماتِهِ، وليس تخريبهِ وهدمهِ، وليوقنْ أنَّهُ مهمَا أوتِيَ مِن العلمِ والمعرفةِ فاللهُ عزَّ وجلَّ ﴿فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ .

أينَ نحنُ مِن منهجِ الإسلامِ الذي يريدُ منَّا أنْ نكونَ أقوياء؟! ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾، دينٌ يدعُو إلى المسابقةِ في الخيراتِ والمسارعةِ إليهَا، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾، أينَ المراتبُ العاليةُ؟! وأينَ التنافسُ؟! وأينَ الذينَ سيخرجونَ علماءَ أو مبتكرينَ أو مخترعينَ؟! إنَّهُم أقلُّ مِن القليلِ، وذلك ما ينبغِي الالتفاتُ إليهِ، والعملُ عليهِ.

إنَّ أمرَ البحثِ العلمِي وطلبَهُ وتحصيلَهُ لا يُنالُ بالنومِ والكسلِ واللعبِ كما شاعَ وراجَ بينَ أبنائِنَا اليوم إلّا مَن رحمَ اللهُ، مِن هنَا نريدُ الهمةَ العاليةَ، والعزائمَ الماضيةَ كما كان عندَ الأوائلِ والسابقين.

إنَّ العلماءَ والمهتدين هم خلفاءُ الرسلِ والأنبياءِ، وهم القادةُ في توجيهِ الناسِ إلى أسبابِ النجاةِ، وتحذيرِهِم مِن أسبابِ الهلاكِ، فجديرٌ بهِم أنْ يؤدُّوا هذه الأمانةَ بكلِّ عنايةٍ وإخلاصٍ وصدقٍ، قال النبيُّ : “إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ.. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ..” (مسلم).

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمينَ، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

                                   كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

                                  د / محروس رمضان حفظي عبد العال       

               مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »